الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

الثغرة

بعد مرور 35 عاما علي حرب أكتوبر نحاول في ذكراها الغوص في معاركها
وان نلقي الضوء علي ( ثغرة الدفرسوار) و نطرح عده أسئلة هل حققت اسرائيل نجاح في تلك العملية ؟
هل كان الرئيس السادات وراء ثغرة الدفرسوار؟
هل كان هناك خلاف بين القادة المصريين بشأن تصفية الثغرة ؟ نحاول الاجابة عليها خلال السطور القادمة
بعد ان نجحت القوات المسلحة المصرية في 6 أكتوبر من عبور قناة السويس وتدمير خط باراليف في ست ساعات ورفع العلم المصري علي
الضفة الشرقية من القناة في وقت ذاته كان الجيش السوري يخوض معركته علي جبهته في الجولان الا ان الوضع السوري كان صعب
نظرا لتركيز الإسرائيلي علي الجبهة السورية
علي صعيد الجبهة المصرية وصلت القوات المصرية الي 15 - 20 كلم من شرق القناة وهي ما سميت ( الوقفة التعبوية ) وهي المنطقة التي كانت
لصواريخ الدفاع الجوي المصري ان تشكل مظلة حماية للقوات المصرية شرق القناة
سبب الثغرة
نظرا لخطورة الوضع علي الجبهة السورية اتخذ الرئيس السادات قرار سياسي بتطوير الهجوم شرقآ نحو المضايق عارض الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري هذا الهجوم وهو ما يعني خروج القوات المصرية من مظلة حماية الدفاع الجوي المصري وتصبح
هدفآ سهلآ للطيران الإسرائيلي ولكن الرئيس السادات صمم علي تطوير الهجوم وبالفعل صباح يوم 14 أكتوبر تم سحب الفرقتين المدرعتين
( 4/ 21 ) التي كانت تحتفظ بهم القيادة المصرية كاحتياطي غرب القناة لتدمير اي عبور إسرائيلي
وكانت اول النتائج المباشرة هي تدمير 250 دبابة مصرية بل تدمير الفرقتين 4/ 21 بعد أصبحوا هدف سهل للطيران الإسرائيلي !!!
شكل تدمير الفرقتين المدرعتين والتي كان موكل لهم تأمين وصد الهجوم عن مؤخرة الجيش المصري فرصة سانحة لقادة الإسرائيليين
بعد ان نقلت صور الاقمار التجسس الأمريكية وجود ثغرة ما بين الجيش الميداني الثاني في الاسماعيلية و الجيش الميداني الثالث في السويس
الهدف من الثغرة
كان الهدف الإسرائيلي من عملية الثغرة هو ضرب بطاريات صواريخ سام المضادة للطائرات في غرب القناة وهي الصواريخ التي كبدت
سلاح الطيران الاسرائيلي خسائر فادحة الي جانب ذلك احتلال مدن القناة لرفع الروح المعنوية للشعب اليهودي ومحاولة تحقيق اي انجاز
في حرب اسقطت اسطورة الجيش الذي لا يقهر بالفعل تم عبور مجموعتين في 15 أكتوبر المجموعة الاولي كانت بقيادة شارون وكانت مهمتها تطويق الجيش الميداني الثاني واحتلال مدينة الاسماعيلية والمجموعة الثانية بقيادة كل من ابراهام ادان وكلمان ماجن وكانت مهمتها
تطويق الجيش الميداني الثالث واحتلال مدينة السويس
تحركت مجموعة شارون صوب مدينة الاسماعيلية الا انها وجهت مقاومة شراسة من قبل الجيش الميداني الثاني بل كبدت المجموعة الاسرائيلية
خسائر فادحة وهو ما دفع شارون بتظاهر بالإصابة حتي يهرب من ارض المعركة اما المجموعة الثانية فقد نجحت في حصار الجيش الميداني
الثالث وعن العبور غرب القناة يقول دافيد اليعازار رئيس الاركان الأسرائيلى فى 3 ديسمبر 1973 " ما زال شارون يواصل تصريحاته غير المسئولة للصحفيين محاولا أن ينتقص من جميع القادة ليظهر هو فى صورة البطل الوحيد ، هذا بالرغم من أنه يعلم جيدا أن عبورنا إلى الجانب الغربي من القناة كلفنا خسائر فادحة ، ومع ذلك فأننا لم نستطع طوال عشرة أيام من القتال ان نخضع أي جيش من الجيوش المصرية ، فالجيش الثاني صمد ومنعنا نهائيا من الوصول إلى مدينة الإسماعيلية ، وبالنسبة للجيش الثالث فإنه ـ برغم حصارنا له ـ فإنه قاوم بل تقدم واحتل بالفعل رقعة أوسع من الأراضي شرقا ، ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نقول إننا هزمناه ..أو أخضعناه " دافيد اليعازار

معركة السويس

بعد ان فشل الجيش الاسرائيلي ان يحقق تقدم في الشمال و ذلك بمحاولة الاستيلاء علي مدينة الاسماعيلية توجهت القوات الاسرائيلية نحو الجنوب في محاولة للاستيلاء علي مدينة السويس قبل صدور قرار من مجلس الامن بوقف اطلاق النار و ذلك لحفظ ماء وجه الجيش الاسرائيلي
يقول لواء محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973 فى مذكراته ( حاول لواءان من فرقة أدان المدرعة اقتحام المدينة من الشمال والغرب بعد قصف بالمدفعية والطيران مدة طويلة لتحطيم الروح المعنوية للمقاتلين داخل المدينة . ودارت معركة السويس اعتبارا من 24 أكتوبر بمقاومة شعبية من ابناء السويس مع قوة عسكرية من الفرقة 19 مشاة داخل المدينة
ويصعب على المرء أن يصف القتال الذى دار بين الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية من جهة وشعب السويس من جهة أخرى وهو القتال الذى دار فى بعض الشوارع وداخل المباني
وبجهود رجال السويس ورجال الشرطة والسلطة المدنية مع القوة العسكرية ، أمكن هزيمة قوات العدو التي تمكنت من دخول المدينة ، وكبدتها الكثير من الخسائر بين قتلى وجرحى
وظلت الدبابات الإسرائيلية المدمرة فى الطريق الرئيسي المؤدى إلى داخل المدينة شاهدا على فشل القوات الإسرائيلية فى اقتحام المدينة والاستيلاء عليها واضطرت القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب من المدينة وتمركزت خارجها ، لم تكن معركة السويس هي معركة شعب المدينة ، بل كانت معركة الشعب المصري بأجمعه . ومن ثم أصبح يوم 25 أكتوبر عيدا وطنيا تحتفل به مدينة السويس والدولة كل عام ، رمزا لبطولة ابناء السويس ومثلا يحتذى لقدرة الإنسان المصري على البذل والتضحية
) بل يرسم المؤرخ العسكري اللواء أ-ح / جمال حماد
لوحة بما حدث من بطولات من شعب السويس يقول( كان معظم سكان مدينة السويس قد تم تهجيرهم إلى خارج المحافظة منذ ان بدأت معارك حرب الاستنزاف عام 1968 ولذا لم يكن داخل المدينة عند نشوب حرب أكتوبر 73 سوى عدد قليل لا يتجاوز خمسة آلاف فرد كان معظمهم من الجهاز الحكومي ورجال الشرطة والدفاع المدني وموظفي وعمال شركات البترول والسماد بالزيتية
وجاء يوم 23 أكتوبر ليحمل فى طياته إلى السويس أسوا النذر فقد قامت الطائرات الإسرائيلية ظهر ذلك اليوم بغارات وحشية على شركة النصر للأسمدة مما أشعل الحرائق فى كثير من أقسامها وأصاب القصف الجوى أيضا مبنى الثلاجة الرئيسية على طريق عتاقة ....... ولم تكتف القوات الإسرائيلية بالحصار البرى الذى ضربته على السويس بقطع كل الطرق المؤدية إليها ولا بالحصار البحري بقطع الطريق المائي المؤدى إلى الخليج والبحر الأحمر بل عمدت إلى توجيه أقسى أساليب الحرب النفسية ضد سكانها وبغير شفقة ولا رحمة بقصد تروعيهم والضغط على اعصابهم لحملهم على التسليم
ولهذا قامت بقطع ترعة السويس المتفرعة من ترعة الإسماعيلية والتي تغذى المدينة بالمياه الحلوة ، كما دمرت شبكة الضغط العالي التي تحمل التيار الكهربائي من القاهرة إلى السويس ، وقطعت بعد ذلك اسلاك الهاتف التي تربط المدينة بالعالم الخارجي وكانت القيادة الإسرائيلية على يقين بان أهل السويس سوف يقابلون دباباتها ومدرعاتها بالأعلام البيضاء حال ظهورها فى الشوارع بعد أن أصبحوا فى هذه الظروف المعيشية التي لا يمكن لبشر أن يتحملها ، فلا مياه ولا طعام ولا كهرباء ولا معدات طبية أو أدوية للمرضى والمصابين ، ولا اتصالات هاتفية مع الخارج
وفضلا عن ذلك ركزت مدفعيتها قصفها العنيف على احيائها السكنية وانطلقت طائراتها تملاء سماء المدينة لتصب على مرافقها ومنشأتها الحيوية وابلا من صواريخها لتشعل فى المدينة النار والدمار ، وليخر تحت قصفها المدمر مئات من الشهداء وآلاف من الجرحى حتى ضاق المستشفى العام بالجرحى والمصابين ، وأصبحوا لفرط الازدحام يوضعون على الأرض فى طرقات المستشفى ، وكان الهدف من هذه الحرب النفسية الشرسة هو اقناع الجميع فى السويس بأنه لا جدوى من المقاومة وان الحل الوحيد للخلاص من كل متاعبهم هو الاستسلام للغزاة
وفى مساء يوم 23 أكتوبر وعقب حصار المدينة كلف العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة بعض شباب منظمة سيناء بواجبات دفاعية وزودهم ببعض البنادق والرشاشات ووزعهم فى أماكن مختلفة داخل المدينة بعد أن ابقى بعضهم كاحتياطي فى يده تحسبا للطوارىء
وكانت هناك مجموعة من الأبطال الذين ينتمون لمنظمة سيناء لم يهدأ لهم بال ولم يغمض لهم جفن طوال ليلة 23 / 24 أكتوبر فقد خططوا لعمل عدة كمائن على مدخل السويس لملاقاة العدو
وعندما ادرك العميد أ. ح. يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة الخطر الذى باتت تتعرض له السويس قرر بمبادرة شخصية منه ضرورة الدفاع عن المدينة التي ارتبطت بها فرقته بأوثق الروابط منذ سنوات طويلة حتى لا تسقط فى يد العدو ... ففى يوم 23 أكتوبر أرسل قائد الفرقة سرية مقذوفات موجهة ضد الدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة لصد العدو .. وبالإضافة إلى هذه السرية أرسل قائد الفرقة إلى السويس صباح يوم المعركة طاقم اقتناص دبابات بقيادة الملازم أول عبد الرحيم السيد من اللواء السابع مشاة بعد تزويدهم بقواذف ار بي جي وقنابل يدوية مضادة للدبابات
لم تنم المدينة الباسلة وظل جميع ابنائها ساهرين طوال الليل فى انتظار وصول الأعداء وعندما نادى المؤذن لصلاة فجر يوم 24 أكتوبر اكتظت المساجد بالناس ، وفى مسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة أم المصليين الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية . وعقب الصلاة ألقى المحافظ بدوى الخولي كلمة قصيرة أوضح فيها للناس أن العدو يستعد لدخول السويس وطالبهم بهدوء الأعصاب ، وأن يسهم كل فرد بما يستطيعه ، واختتم كلمته بالهتاف الله أكبر وارتفع الدعاء من أعماق القلوب إلى السماء
وابتدأ من الساعة السادسة صباحا بدأت الطائرات الإسرائيلية فى قصف أحياء السويس لمدة ثلاث ساعات متواصلة فى موجات متلاحقة وبشدة لم يسبق لها مثيل ، وكان الغرض هو تحطيم اية مراكز مقاومة داخل المدينة والقضاء على اي تصميم على القتال لدى أهل السويس
ورغم أن اهل السويس كانوا صائمين فى هذا اليوم من شهر رمضان المبارك ، فإن أحدا لم يحس بالجوع أو العطش ولم يهتم بتناول طعام أو شراب إلا النذر اليسير ، فقد كانت المعركة ضد الاعداء هي محور اهتمام جميع المواطنين ، وعندما سرت فى المدينة انباء النصر خرج أهل السويس جميعا إلى الشوارع يهللون هذا وقد قام المحافظ بدوى الخولي بالاتصال ظهر يوم 24 أكتوبر بعد انتهاء معركة ميدان الأربعين بالرائد شرطة محمد رفعت شتا قائد الوحدة اللاسلكية وطلب منه إبلاغ القاهرة بأنباء المعركة وبتحطيم 13 دبابة وعربة مجنزرة للعدو وعلى أثر ارسال الوحدة اللاسلكية هذه الأنباء إلى القاهرة صدر البيان العسكري رقم 59 فى الساعة الرابعة مساء يوم 24 أكتوبر الذى يتضمن أنباء معركة السويس ويكبرون ويشهدون فى فخر واعتزاز مدرعات العدو المحطمة التي تناثرت على طول شارع الأربعين ، وكان عددها حوالى 15 دبابة وعربة مدرعة نصف جنزير.. وخشية أن يفكر الإسرائيليون فى سحبها قام محمود عواد من أبطال المقاومة الشعبية بسكب كميات من البنزين عليها عند منتصف الليل وأشعل فيها النار
) وفشلت اسرائيل في احتلال السويس والاسماعيلية فهل نجحت عملية الثغرة !!!!

رؤية القادة المصريين إزاء الثغرة

كان هناك خلاف في القيادة العامة للجيش المصري إزاء كيفيه تصفية الثغرة فكان الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان الجيش المصري يري
سحب أربع ألوية مدرعة من الشرق إلي الغرب خاصه انهم كانوا من النسق الثاني يعني غير متصلين بالعدو فالوضع علي الجبهة الشرقية هي خمس 5 فرق مشاة + 5 ألوية مدرعة سيتم سحب 4 ألوية من 5 سيبقي لواء مدرع واحد في الجبهة الشرقية هذه خلاصة خطة الشاذلي
عارض الرئيس السادات فكرة سحب ألوية المدرعة متأثر بالانسحاب 67 وكان يؤيد في ذلك الرفض المشير أحمد إسماعيل القائد العام
وعلق الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل فى أحد تصريحاته على هذا الخلاف قائلا :" أدى الخلاف بين الرجلين إلى موقف شديد الحرج لبقية القادة من هيئة أركان الحرب: وكان الأمر يحتاج إلى حكم أعلى منهما. وهكذا كان وصول الرئيس السادات فى اللحظة المناسبة تماما. وبدأ كلاهما يعرض وجهة نظره أمام الرئيس. وكان الفريق أحمد اسماعيل هو الأكثر رجاحة فى هذه اللحظة لأي مراقب ينظر للموقف نظرة شاملة: فالقائد العام لم يكن ينظر للموضوع من وجهة نظر العمليات فقط، وإنما كانت نظرته أشمل، وقد قال بوضوح إنه إذا بدأ سحب قوات الفرقة المدرعة إلى غرب القناة فى هذه الساعات، فإن القوات كلها فى الشرق سوف تشعر بحركتها، وقد تتصور خصوصا مع انتشار أخبار الثغرة أن تلك مقدمة لانسحاب عام يقوم به الجيش المصري من الشرق. وبالتالي فإن هذه القوات سوف تبدأ راضية أو كارهة - فى التأثر بعقلية الانسحاب، وهذا قد يعيد إليها أجواء سنة 1967 " يؤكد ذلك التخوف الرئيس مبارك في إحدي الحوارات التلفزيونية فيقول
" من يقول لك انسحب لابد أن تتذكر ما جري في‏1967‏ فالجميع أخذوا في الانسحاب وكل منهم جري الي بلده وصاروا يلمون القوات المسلحة من البلاد‏، الأسلحة تركت وتم أخذ غنائم فلذلك عندما اتخذ قرارا مثل الانسحاب‏، لابد من دراسة الموضوع جيدا‏، فليست هناك عجلة ولا نستطيع عمل شيء بالخطأ‏، لذلك عندما حدثت الثغرة كان رأيي الذي ابلغته للمشير أحمد اسماعيل أنني لا يمكن ان انسحب لأن الوضع سيكون أخطر مما حدث لنا عام‏1967، لأن عندنا معدات كثيرة ومنطقة القنال مليئة بالاسلحة والذخائر والصواريخ والدبابات وبمجرد صدور قرار الانسحاب كل جندي وقائد سيترك معداته ويجري وكل واحد يترك موقع الصواريخ المبنية التي كانت محصنة ويجري‏..‏ فمن سيحمي الموقع؟ "

خطة شامل

اصدر الرئيس السادات قرار بتعين اللواء سعد الدين مأمون قائدآ لتصفية الثغرة وبالفعل وضع خطة تحت مسمي ( شامل ) للتدمير الثغرة
أخذ الجيش المصري يحشد من قواته للتدمير الثغرة و اخذت الاقمار الصناعية الامريكية صور لجبهة المصرية توضح عزم القوات المصرية
تصفية الثغرة فسارع كسينجر وزير الخارجية الامريكي بتحذير الرئيس السادات من الاقدام علي تصفية الثغرة وهو ما يعني الدخول في حرب مع الامريكان فوافق الرئيس السادات علي وقف اطلاق النار مع أخذ ضمانات بسحب القوات الاسرائيلية من غرب القناة
انتهت عملية الثغرة دون ان تحقق اي هدف كانت يسعي اسرائيل اليه لقد صدق المؤرخ العسكري البريطاني ادجار اوبلانس وصف ثغرة الدفرسوار غرب القناة بأنها المعركة التليفزيونية

خريطة توضح مسرح عمليات الثغرة




ليست هناك تعليقات: